أي مبررات لأي
تدخل?
منذ بداية الثورة الشعبية السورية انغمس
"حزب الله" في الصراع الذي اندلع ما بين النظام وشعبه دونما أسباب موجبة
لذلك, وما زال حتى الساعة يبحث عن أعذار ومبررات تقنع قاعدته, ناهيك بكل
اللبنانيين والسوريين, من أجل تبييض سواد وقبح تدخله لمصلحة النظام القاتل لشعبه.
هذا مع العلم أن تدخله ضد التحرك الشعبي ولمصلحة بقاء النظام الدكتاتوري القمعي في
سورية, يتناقض مع مواقفه السابقة في بدايات الربيع العربي والتي كانت تتميز بالدعم
والتأييد لتحرك الشعوب من أجل إسقاط الدكتاتور. وحتى الساعة لم يطرح تفسيرات مقنعة
تبرر هذا التناقض.
وللتذكير نورد أن
"حزب الله" وفي بداية إرسال عسكره للمشاركة في القتل لصالح مساندة
القوات النظامية, حاول التخفي, وعدم الاعتراف بمشاركته في المجازر, عن طريق لفلفة
هذا التصرف الأرعن تحت مقولات وذرائع عدة منها ادعاء حماية اللبنانيين الشيعة
القاطنين في القرى التي تقع بمحاذاة الشريط الحدودي مع سورية وعلى أساس أن الدولة
اللبنانية عاجزة عن حمايتهم هناك, ومن بعدها ادعاء حماية المقامات المقدسة وعلى
وجه الخصوص مقام السيدة زينب. وبعد أن قامت أصوات ومواقف لبنانية تذكره بأن هذه
المهمات إنما تعود للسلطات السورية, وبأنها ليست من مسؤولية الدولة اللبنانية, فما
بالك بميليشيا لبنانية, هرب نصر الله باتجاه الخطاب الطائفي, ربما اعتقاداً منه
بأنه أكثر إقناعاً, فكان ادعاؤه الجهاد المقدس مدعياً بأن كل الذين يسقطون من
رجاله هناك هم شهداء الجهاد في سبيل الله. وعندما قيل له بأن هذه الحجة لا تقنع
أحداً حيث أنه من المفترض أن يثق بقدرة النظام في تأمين أي نوع من أنواع الحماية
للشعب أو المقامات, خاصة وأنه هو بنفسه ينادي ليلاً نهاراً بتفوق النظام وقدرته
على التخلص من "المخربين" والإرهابيين", اتجه للمواقف العلنية في ادعاء
ذهابه للمقاومة في الجولان المحتل (على نسق مقاومة العدو الصهيوني) معلناً قرب
افتتاح جبهة الجولان.
وحيال مجمل هذه المبررات
الواهية والتي لا تشبه بمنطقها الواهن والركيك المنطق الصلب الذي كان يعتمده حسن
نصر الله في الماضي, تشكلت مع الوقت وعلى مدى السنتين ونيف من عمر الثورة, لدى
غالبية المراقبين قناعة بأن الحزب لا يستطيع تقديم أي تفسيرات مقنعة لتصرفاته غير
العقلانية, لأنه ليس سيد نفسه في اتخاذها, ولأنه على ما يبدو يتلقى دورياً دفتر
تعليمات وتوجيهات مجهزة للتنفيذ على أرض الواقع وعلى أرض الميدان دونما أي تبريرات
إضافية لها. فنظرة إيران الستراتيجية لمستقبل سياستها مع دول المنطقة ليس من
المفترض أن تعني "حزب الله", فهو ليس أكثر من تنظيم حربي منفذ لمخططاتها
ويعمل لمصلحتها. من هنا يمكن فهم مجمل تصرفاته على أرض الواقع والذي غالباً ما
يظهر وكأنه حاصل بموجب قاعدة: "مجبر أخوك لا بطلاً".
يبقى الملاحظ أن عدد
ضحايا "حزب الله" الذين سقطوا في سوريا , والمتزايد كل يوم, والذي يصار
إلى التعتيم عليه, بات وكأنه يفوق نسبيا أعداد الشهداء الذين سقطوا في الحرب مع
العدو الصهيوني في الجنوب اللبناني خلال حرب يوليو 2006. وذلك عائد, حسب بعض
المراقبين العسكريين إلى عجز "حزب الله" عن مواجهة أوضاع ميدانية جديدة
لم يتم تحضير مقاتليه لمواجهتها. فمقاتلو "حزب الله" اللبنانيون ليسوا
في الحقيقة مؤهلين للمشاركة في حرب طويلة, ناهيك بمواجهة شعب ثائر, يعتمد تماماً
كما كان يفعله "حزب الله" في الجنوب اللبناني مقابل الجيش الإسرائيلي
على عمليات الكر والفر. وللتذكير فهو إن تمكن من تحقيق بعض الانتصار على العدو
الصهيوني في حرب يوليو 2006, فذلك عائد لكونه يقاتل بهذه الوسيلة بالذات, زائد
كونه على أرضه, ما يؤهله لمعرفة تضاريسها وخفاياها. وإذا حقق "حزب الله"
بعض الانتصارات حينها فإن سبب ذلك أنه أتى في نهاية مرحلة قتال المقاومة اللبنانية
الحقيقية للعدوان الصهيوني ،ولم يدخل حزب الله إلى مسرح الأحداث إلا في النهاية
ليقطف الثمرة دون غيره وبعد أن اقتنع الإسرائيليون بأنه لا ضرورة لاحتلال أرض
غريبة.
ولكن
موقف حزب الله اليوم في سوريا, مشابه تماماً لموقف الجيش الإسرائيلي في الجنوب
اللبناني خلال حرب 2006. فالثوار يقاتلون "حزب الله" بوسائله, ما يفقده
عنصر المفاجأة الذي مكنه من التفوق في حرب يوليو. من دون أن ننسى بأن الثوار على
أرضهم ويعرفون تضاريسها جيداً, ناهيك باستبسالهم من اجل حريتهم وكرامتهم, في وقت
تشوب قناعة شباب الحزب اللبنانيين الكثير من القلق والتساؤل حول ضرورة قتال الإخوة
على أرضهم.
لذا وبسبب يقين نصر الله
المتزايد من هذا الواقع وبعيداً عن المراهنة على دعم إيراني لن يرى النور في سياق
السعي لتجميل الصورة, نرى الحزب اليوم وعلى لسان أمينه العام يحاول إخراج المبررات
الواحد تلو الآخر لإقناع الشباب باستكمال مسيرة القتال. وهو يسعى لتفادي الوصول
للحائط المسدود في آخر المطاف, أي عندما تحين ساعة الحساب مع قاعدته التي قد لا
تتأخر عن مساءلته حول اتجاه سلاحه الخاطئ, وعن تأخره في الإيفاء بوعوده في تحرير
الأراضي المحتلة كما كان يدعي في أول مسيرته النضالية, ناهيك بتحرير الأراضي
اللبنانية المحتلة في مزارع شبعا وتلال كفرشوبا. فنصر الله يعي جيداً كل هذه
الأخطار ويعي بأن نهايته سوف تكون واردة عندما يشارف النظام السوري على التهاوي
والسقوط أو حتى, وفي أحسن الأحوال, على مجرد الإزاحة كما هو مطروح اليوم عبر
اتفاقات دولية لإخراج الوضع السوري من النفق والمراوحة.
حسن نصر الله يعي جيداً
هذا الواقع وهو يعرف بأن قلقه على مستقبله السياسي في لبنان وعلى صورته أمام الرأي
العام العربي والدولي لا يندرج ضمن هموم ومشاغل إيران الأولى. فالنظام الإيراني
مستعد للتضحية بأي كان من أجل استكمال تحقيق إيديولوجيته الخاصة. فقلق نصر الله
ليس قلقها, كما أن تعثر مشهدية مستقبله السياسي قد لا يشكل حجر عثرة في نظرتها إلى
نفسها. فمستقبلهما هو منفصل تماماً, كما مستقبل صاحب الشركة عن مأجوريه.
مهى عون
كاتبة لبنانية